فصل: الخبر عن قيادة ابن السلطان العساكر إلى الجهاد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ثورة ابن الوزير بقسنطينة ومقتله.

اسم هذا الرجل أبو بكر بن موسى بن عيسى ونسبته في كوميه من بيوت الموحدين كان مستخدما لابن كلداسن الوالي بقسنطينة بعد ابن النعمان من مشيخة الموحدين أيام المستنصر ووفد ابن كلداسن على الحضرة وأقام ابن وزير نائبا عنه بقسنطينة فكان له غناء وصداقة وولاه السلطان أبو إسحق حافظا على قسنطينة واتصلت ولايته وهلك المستنصر واضطربت الأحوال ثم ولاه الواثق ثم السلطان أبو إسحق.
وكان ابن وزير هذا طموحا لأموال الناس لا يمل وعلم أن قسنطينة معقل ذلك القطر وحصنه فحدثته نفسه بالإمتناع بها والاستبداد على الدولة وساء أثره في أهلها فرفعوا أمرهم إلى السلطان أبي اسحق واستعدوه فلم يعدهم لما رأى من مخايل الحرابة من الطاغية وكتب هو بالاعتذار والنكير لما جاء به فتقبله وأغضى له عن هناته ولما مر به الأمير أبو فارس إلى محل إمارته من بجاية سنة تسع وسبعين وستمائة قعد عن لقائه وأوفد إليه جمعا من الصلحاء بالمعاذير والاستعطاف فمنحه من ذلك كفاء مرضاته حتى اذا أبعد الأمير أبو فارس إلى بجاية اعتزم على الانتزاء وكاتب ملك أرغون في جيش من النصارى يكون معهم في ثغره يردد بهم الغزو على أن يكون فيما زعموا داعية له فأجابه ووعده ببعث الأسطول إليه فجاهر بالخلعان وانتزى بثغر قسنطينة داعيا لنفسه آخر سنة ثمانين وستمائة.
وزحف إليه الأمير أبو فارس من بجاية في عساكره واحتشد الأعراب وفرسان القبائل إلى أن احتل بميلة ووفد عليه من أهل قسنطينة جمع من الرعية بعثهم ابن وزير فأعرض عنهم وقصد قسنطينة في أول ربيع سنة إحدى وثمانين وستمائة فثار بها وجمع الأيدي على حصارها.
ونصب المجانيق وقرب قواعد الرماة وقاتلها يوما أو بعض يوم وتسور عليهم المعقل من بعض جهاته وكان المتولي لتسوره صاحبه محمد ابن أبي بكر بن خلدون وأبلى بن وزير عند الصدمة حتى أحيط به وقتل هو وأخوه وأشياعهما ونصبت رؤسهم بسور البلد وتمشى الأمير في سكك البلد مسكنا ومؤنسا وأمر برم ما تثلم من الأسوار وبإصلاح القناطر ودخل إلى القصر وبعث بالفتح إلى أبيه بالحضرة وجاء أسطول النصارى إلى مرسى القل في مواعدة ابن وزير فأخفق مسعاهم وارتحل الأمير أبو فارس ثالثة الفتح إلى بجاية فدخلها آخر ربيع من سنته والله أعلم.

.الخبر عن قيادة ابن السلطان العساكر إلى الجهاد.

كان السلطان يؤثر أبناءه بمراتب ملكه ويوليهم خطط سلطانه شفعا بهم وترشيحا لهم فعقد في رجب سنة إحدى وثمانين لابنه الأمير زكريا على عسكر من الموحدين والجند وبعثه إلى قفصة للإشراف على جهاتها وضم جبايتها فخرج إليها وقضى شأنه من حركته وانصرف إلى تونس في رمضان من سنته ثم عقد لابنه الآخر أبي محمد عبد الواحد على عسكره وأنفذه إلى وطن هوارة لانقضاء مغارمهم وجباية ضرائبهم وفرائضهم وبعث معه عبد الوهاب بن قلائد الكلاعي مباشرا لذلك وواسطة بينه وبين الناس فانتهى إلى القيروان وبلغه شأن الدعي وظهوره في دباب بنواحي طرابلس فطير بالخبر إلى السلطان وأقبل على شأنه ثم انتشر أمر الدعي وانكفأ راجعا إلى تونس والله تعالى أعلم.

.الخبر عن صهر السلطان مع عثمان بن يغمراسن.

كان السلطان لما أجاز البحر من الأندلس لطلب ملكه ونزل على يغمراسن بن زيان بتلمسان فاحتفل لقدومه وأركب الناس للقائه وأتاه ببيعته على عادته من سلفه لما علم أنه أحق بالأمر ووعده النصرة من عدوه والمؤازرة على أمره وأصهر إليه في إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان تشريفا خطبه منه فأولاه اسعافا به ولما استولى السلطان على حضرته واستبد بأحوال ملكه بعث يغمراسن ابنه إبراهيم المكنى بأبي عامر في وفد من قومه لإتمام ذلك العقد فاعتمد السلطان مبرتهم وأسعف طلبتهم وأقاموا بالحضرة أياما وظهر من إقدامهم في فتن الدعي مقامات وانصرفوا بظعينتهم سنة إحدى وثمانين وستمائة مجبورين محبورين وابتغى بها عثمان لحين وصولها فكانت من عقائل قصورهم ومفاخر دولتهم وذكرا لهم ولقومهم إلى آخر الأيام.

.الخبر عن ظهور الدعي أبي عمارة وما وقع من الغريب في أمره.

كان أحمد بن مرزوق أبو عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليهما من المسيلة نشأ ببجاية وسيما محترفا بصناعة الخياطة غرا غمرا.
وكان يحدث نفسه بالملك لما كان يزعم أن العارفين يخبرونه بذلك وكان هو يخط فيريه خطه ذلك ثم اغترب عن بلده ولحق بصحراء سجلماسة واختلط بعرب المعقل وانتمى إلى أهل البيت وادعى أنه الفاطمي المنتظر عند الأغمار وأنه يحيل المعادن إلى الذهب بالصناعة فاشتملوا عليه وحدثوا بشأنه أياما أخبرني طلحة بن مظفر من شيوخ العمارية إحدى بطون المعقل أنه رآه أيام ظهوره بالمعقل ملتبسا بتلك الدعوى حتى فضحه العجز ثم لما زهدوا فيه لعجز مدعاه ذهب يتقلب في الأرض حتى وصل إلى جهات طرابلس ونزل على دباب وصحب منهم الفتى نصيرا مولى الواثق بن المستنصر ويلقب برى ولما رآه تبين فيه شبها من الفضل ابن مولاه فطفق يبكي ويقبل قدميه فقال له ابن أبي عمارة: ما شأنك؟ فقص عليه الخبر فقال: صدقتني في هذه الدعوى وأنا أثئرك من قاتلهم.
وأقبل نصير على أمراء العرب مناديا بالسرور بابن مولاه حتى خيل عليهم ثم نزل بادس إلى ابن أبي عمارة من محاورات وقعت بين العرب وبين الواثق قصها عليهم ابن أبي عمارة نفيا للريب بأمره فصدقوا واطمأنوا وأتوه ببيعتهم وقام بأمره صرغم بن صابر بن عسكر أمير دياب وجمع له العرب ونازلوا طرابلس وبها يومئذ محمد بن عيسى الهنتاتي وشهر بعنق الفضة فامتنعت عليهم ورحلوا إلى بحر بين الموطنين بزيزور وجهاتها من هوارة فأوقعوا بهم ثم سار في تلك النواحي واستوفى جباية لماية وزواورة وزواغة وأغرم نفوسة وغريان ونفزة من بطون هوارة وضائع ألزمهم إياها واستوفاها ثم زحف إلى قابس فبايع له عبد الملك بن مكي في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة وأعطاه صفقته طواعية وفاه بحق آبائه فيما طوقوه وذريعة إلى الاستقلال الذي كان يؤمله وأعلن بخلافته ونادى بقومه واستخدم له بني كعب بن سليم ورياستهم في بني شيخة لعبد الرحمن بن شيخة فأجابوا داعيه وأنابوا إلى خدمته وتوافت إليه بيعة أهل حزبه والحامية وقرى نفزاوة ثم زحف إلى توزر وبلاد قسطيلية فأطاعوه ثم رجع إلى قفصة فبايع له أهلها وعظم أمره وعلاصيته فجهز إليه السلطان أبو إسحق العساكر من تونس كما نذكره والله تعالى أعلم.